في سبعينيات القرن الماضي، كان بوب مارلي واحداً من أهمّ وأنجح المطربين على الإطلاق. فبعد أن أصدر أكثر من عشرة ألبومات لاقت نجاحاً منقطع النظير، وحصد أرباحاً تقدّر بـ180 مليون دولار أميركي، وصفته مجلّة نيويورك تايمز بأنه من الفنانين الأكثر تأثيراً في العالم. فقد غنّى بوب مارلي في ألبوماته عن قضايا اجتماعيّة وسياسيّة هامّة جداً، تركت إنطباعاً قوياً في الرأي العام.
في صيف عام 1977، أصيب بوب مارلي بجرح في إصبع قدمه أثناء مباراة كرة قدم. حاول الأطباء أن يعالجوا الجرح ولكنهم لم يفلحوا ولم يلتئم الجرح. فأصيب بوب مارلي بنوع من سرطان الجلد. قال له الأطبّاء بأنه يجب استئصال هذا الأصبع حتى لا ينتشر السرطان في باقي جسمه..
وهنا كانت المشكلة..
كان بوب مارلي مؤمنا بديانةٍ اسمها “الرستفارية”، وهي ديانة نشأت في جامايكا في بداية القرن العشرين. وكان بتر أعضاءِ الجسد من الأمور المحرّمة على أتباع هذه الديانة. فرفض بوب مارلي أن يُستأصل إصبع قدمه، فانتشر السرطان في باقي جسده حتى فارق الحياة نتيجة لذلك في ميامي فلوريدا في 11 أيار عام 1981، وهو لم يكمل عامه الـ36.
في قصّة شبيهة لما حدث لبوب مارلي، عانى إبن سيّدة أميركية تنتمي الى ديانة “شهود يهوه” من مشكلة صحيّة وكان يحتاج إلى نقل دمٍ إليه. ولكن ديانة “شهود يهوه”، وهي ديانة ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر، تحرّم على أتباعها نقل الدّم من جسد إلى آخر. رفضت السيّدة نقل الدم الى إبنها، وكانت النتيجة وفاته.
لقد ظنّ بوب مارلي انّ الله سيكافئه لأنه أطاعه بهذه الطريقة! وظنّت هذه السيدة الأميركية بأنّ الله سيكافئها لأنها أطاعته! لكنّ بوب مارلي خسر حياته، وتلك السيدة خسرت ابنها.
آلاف من البشر كل يوم يخسرون أحبّاء لهم بسبب تصرفات يظنون أنهم يطيعون الله من خلالها.
تخيلوا المشهد التالي:
إنّ النظرة الخاطئة الى الله لا تؤذي الإنسان نفسه فقط بل وبعض أحبّائه أيضاً، وتدمّر أمماً وشعوباً بكاملها. وقف رجل دين ذات يومٍ وبجانبه إنسان غشّاش، فقال رجل الدّين: شكراً لك يا ربّ.. لأنّي لست مثل هذا التاجر النّصاب، فأنا أصلّي وأصوم بشكلٍ دائم. ولكنّ التاجر وقف حزيناً وقال: سامحني يا ربّ لأني رجل خاطئ. فمن منهما يا ترى كان أقرب إلى الله في تلك اللّحظة؟
الذي يريد أن يحظى برضى الله من خلال أعمال معيّنة، ومن دون أن يكترث ما إذا كانت تلك الأعمال تؤذيه أو تؤذي الآخرين فهو لا يعرف الله ولا يحبّه، ولكنّه يحب نفسه فقط. لا يستطيع أحدٌ أن يدّعي بأنّه يحبّ الله وهو يكره أيّ انسانا آخر.
وقف بوب مارلي يدعو الله وقال: يا ربّ.. أنا لم أكن عاصياً لأوامرك البتة، ولكنّي تركت السرطان ينتشر في جسدي، حتى كلّفني الأمر حياتي. كافئني الآن في إدخالي إلى الجنّة.
وقفت السيّدة الأميركية وقالت: يا ربّ.. أنا لم أكن عاصية لأوامرك، بل تركت إبني يموت نتيجة طاعتي لما أمرت به. كافئني الآن في إدخالي إلى الجنّة.
ووقف آخر أيضاً وقال: أنا فعلتُ كذا وكذا.. ولم أفعل كذا وكذا.. فنجّني من النار وأدخلني فسيحَ جنانِك.
بوب مارلي والسيّدة الأميركية وكلّ المتديّنين حول العالم، الذين يستخدمون ديانتهم لتشويه وتنغيص حياتهم وحياة البشر من حولهم، هم أنانيّون محبّون لأنفسهم أولاً وأخيراً. ليس الله في مركز اهتمامهم، وطاعة الله ودينه وسيلتان يعبرون من خلالها الى النّعيم أو ليتفادّوا الجحيم، حتى وإن كانت النتيجة حياتهم أو حياة من يحبّون.
فكيف يمكن لأحدهم أن يحبّ الله الذي لم يرَه ويكره الإنسان الذي يراه؟